رئيس التحرير: عادل صبري 03:38 صباحاً | الثلاثاء 01 يوليو 2025 م | 05 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

«مذكرات» في تونس.. هكذا كانت الحياة بمعتقلات «بن علي»

«مذكرات» في تونس.. هكذا كانت الحياة بمعتقلات «بن علي»

العرب والعالم

انتهاكات الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي

«مذكرات» في تونس.. هكذا كانت الحياة بمعتقلات «بن علي»

أحمد جدوع 29 أكتوبر 2018 11:00

ظل التعذيب إحدى الوسائل الهامة لأنظمة ما قبل الربيع العربي والتي كانت تعمل على كبح جماح أي معارض لها من أجل بقائها لكن هيات هيات، لم تشفع لهم ليس بالبقاء فقط على كرس الحكم وإنما لم ترحمهم من المحاكمة على تلك الجرائم التي اقترفوها في حق كل صاحب رأي ولو حتى غيابياً.

 

وبدأت تونس قاطرة ثورات الربيع العربي لخلع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بعد سنوات قضاها في الحكم استخدم فيها القمع بشتى أنواعه للمعارضين سواء مدنيين أو عسكريين.

 

 وما سبق دفع محكمة تونسية للبدء في جلسات محاكمة الرئيس المعزول بن علي، و15 عسكرياً ومسؤولاً، بتهمة تعذيب معارضيه من العسكريين والمدنيين في التسعينيات بدعوة محاولاتهم الانقلاب عليه، فيما يعرف بقضية "براكة الساحل".

 

الكشف عن الجرائم

 

وغاب بن علي، الموجود في السعودية، بعد الإطاحة بحكمه إبان ثورة 2010، إذ اعتبرته المحكمة "هارباً"، بالإضافة إلى وزير الدفاع والداخلية السابق، وعبد الله القلال، ومحمد علي القنزوعي، وعز الدين جنيّح، المسؤولين في وزارة الداخلية، في حين حضر الجنرال المتقاعد محمد حفيّظ الفرزة.

 

 واستمعت المحكمة إلى عدد من المتضرّرين، في انتظار استكمال الاستماع إلى البقيّة من متضرّرين ومتّهمين في الجلسات المقبلة التي لم يحدد موعدها.

 

 وتُعتبر تونس، من خلال العدالة الانتقالية، أول دولة عربية تحاول الكشف عن حقيقة الجرائم التي حدثت خلال 60 سنة من حكم الرئيسين الأسبقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، كما يعمل القضاء التونسي على التحقيق مع المجرمين وتمكين الضحايا من حقوقهم.

 

هيئة الحقيقة والكرامة

 

ودعماً لذلك، استحدث المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) هيئة الحقيقة والكرامة؛ لتسهيل عمل القضاء، والتسريع بإرساء العدالة الانتقالية في البلاد.

 

وبدأت الهيئة، في 17 نوفمبر 2016، عقد جلسات استماع علنية لضحايا انتهاكاتِ حقوق الإنسان في تونس، كل واحدة من تلك الروايات لا تقلّ عن الأخرى إثارة للمشاعر، ومن روايات لنساء ينتمين إلى التيار الإسلامي تعرّضن باستمرار للتعذيب والاعتداء الجنسي والحرمان الاقتصادي والتضييق الإداري.

 

كما استمعت إلى أمهات "شهداء" من الثورة التونسية، يحكينَ كيف مات أبناؤهن رمياً بالرصاص حينما كانوا يتظاهرون سلمياً بالمناطق المحاصَرة في الرقاب وقصرين وتالة (مناطق محرومة بالوسط التونسي)، وتونس العاصمة.

 

إخفاء قسري

 

أضف إلى ذلك، أشقاء نشطاء من اليسار أو اليمين يحكون عن تزوير السلطات تقارير الطب الشرعي؛ من أجل إخفاء حقيقة وفاة أقاربهم تحت التعذيب.

 

السياسية التونسية المعارضة جميلة الشملالي، إحدى ضحايا التعذيب من نظام بن علي، قالت:" لمّا تم اعتقالي من طرف بوليس بن علي بقيت في الإيقاف لمدة عشرة أيام كانت أجهزة الداخلية تنكر توقيفي عندهم وذلك لإرهاب عائلتي".

 

وأضافت في تصريحات لـ"مصر العربية ": ظلت عائلتي تبحث عني من مركز شرطة إلى آخر ليعرفوا إذا كنت حية أم لا لكن دون جدوى، ولمّا أطلق سراحي توجهت مباشرة لمكان عمل والدي، وعندما وقفت أمامه لم يصدق أنه يراني من جديد، تسمّر في مكانه وارتميت في أحضانه لأول مرة في حياتي شفت أبي يبكي بكاء فرح و قهر".

 

وتابعت:"لسنوات  ظل بوليس بن علي يزور بيتنا في كل وقت الفجر في الصباح عند الظهيرة  ويقتادوني مرة لمركز الأمن، ومرة لمقر الفرق المختصة، ومرة لأمن الدولة، وفي كل مرة كانت دقتهم على الباب تجعل أمّي تدخل في حالة رعب حتى أصبحت كل دقة على الباب سوط عذاب يمزق قلب أمي و بقي الرعب يرافقها حتى بعد الثورة حتى وفاتها".

 

واستطردت:" لن أسامح على الظلم الذي عشته وعلى القهر والتعذيب البدني والنفسي، لن أسامح على كل دمعة قهر نزلن من عيون والدي، أو كل لحظة رعب شعرت بها والدتي".

 

شاهد على التعذيب

 

 فتحي الرحماني ناشط سياسي تونسي معارض تعرض لأبشع أنواع التعذيب على أيدي نظام بن علي، حيث قال :"إن كلّ الأشياء الجميلة مهرّبة في السّجن، هناك لا يسرقون أعمارنا فقط، ولكن كلّ شيء جميل حتّى وإن كان بسيطا مثل سِنَة من نوم، أو منديل نظيف، أو أعقاب سجائر، أو لحظة تأمّل، أو كلمة طيّبة".

 

وأضاف في خاطرة له نشرها على حسابه على موقع الفيس بوك وتابعتها "مصر العربية": كلّ الأشياء البسيطة يحوّلونها إلى وسيلة تعذيب من كلمات الاستقبال حتّى الكُوَّة في أعلى الزنزانة، كلّ لحظة في السّجن هي لحظة صراع من أجل البقاء".
 

وتابع:" في النّهاية قد يسكنك السّجن وينتقل معك حتّى خارج أسواره، فهم يدفعونك دفعا إلى أن تكره كلّ شيء: من الماء يصنعون لك ألوانا من العذاب: يُغرقون رأسك في حوض الماء حدّ الاختناق، يسكبون عليك ماء باردا في ليالي الشّتاء القاسية، قطرات الماء من حنفيّة على صفيح معدنيّ تتحوّل مع الوقت إلى ضربات تنهال على رأسك من هراوة أو مطرقة حديدط.

 

 ويكمل:" طعامك البغيض الذي تَرْبَأُ الحيوانات بنفسها عن أكله تُفكّر ألف مرّة قبل أن تتناوله ليس لأنّه كريه فقط، فأنت لن تحتار في بلعه وإدخاله، ولن تَعْدَمَ طريقة لإلقائه في جوفك، ولكنّه يتحوّل إلى هاجس عندما تفكّر في كيفية إخراجه، فهو قد يتحوّل إلى بِرَاز يُلطّخُك أثناء حفلات التعذيب رغما عنك، أو إلى فضلات تُعاني مُؤخّرتك أشدّ العناء عند إلقائه لما لحقها من تَلَف جرّاء التعذيب، وحتّى وإن لم يكن هذا وذاك فليس في زنزانتك غير رُكن صغير يمكنك التبرّز فيه، ومن وقتها يتحوّل بِرازك إلى شريك لك في ذلك القَبْو، مع روائح كريهة لا تطيقها حتّى الشياطين تنبعث من المكان".

 

واستطرد :" في الزّنزانة تختلط كلّ سوائلك: بولك ودمك ودموعك ومُخاطك وقيؤك في تركيبة كيميائية عجيبة خانقة قاتلة لا تُنتج غير العفن والدّود ، كلّ ذلك وأنت تُعزّي نفسك بالقول " إنّ الأسوأ لم يقع بعد، تترقّب وقت الزّيارة بكثير من الشّوق والخوف: الزيارة هي نافذتك على العالم ولكنّها كثيرا ما تصبح محنة أخرى، يبتزُّون زوّارك، يمنعونهم من الزيارة، يُهينونهم، يحتجزونهم يوما كاملا، يعذّبونهم، يحوّلون لحظة البهجة الممكنة إلى سوط عذاب".

 

وبكل قسوة ينهي خاطرته": يجعلوك تكره جسدك حين يغدر بك ويتهاوى أمام صفعاتهم وركلاتهم ويحرمك من لحظات الرّاحة النّادرة، حتّى الموت الذي فيه خلاصك نادرا ما يعرّج على السّجن، وقليلا ما يتذكّر أنّ هنالك أرواحا تحتضر في ذلك المكان، الموت قد يتواطأ معهم ، تطلبه فلا تدركه، وبعد كلّ تلك السّنوات،حتّى ذاكرتك تأبى النّسيان، كلّ الرّعب يمنعك من النّسيان، وآثار السّجن التي تحملها معك على جسدك كالوَسْم تمنعك من النّسيان".

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان